إطلالة على مآثر خديجة الكبرى (عليها السلام)
لم تكن سيدتنا أم المؤمنين خديجة الكبرى (عليها السلام) امرأة كسائر النساء، بل كانت العناية الإلهية تعدها وتهيئها للقيام بذلك الدور الكبير في الوقوف إلى جانب النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وتحمل الصعاب البالغة من أجل أن يشتد ساعد الدعوة الجديدة، لتقاوم كل تلك الضغوط والعراقيل التي سيضعها لاحقا حلف الكفر والشرك والضلالة في وجه حاملها (صلى الله عليه وآله)، وهو بالضبط ما جاء واضحا على لسان النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) عندما صرح بان الإسلام ما قام إلا بسيف علي (عليه السلام) وأموال خديجة (عليها السلام)، إضافة إلى ما كان ينتظر هذه السيدة الجليلة من دور لا يقل أهمية عن سابقه وهو الإنجاب لسيد الرسل (صلى الله عليه وآله)لكي تستمر شجرة النبوة المثمرة بتلك السلسلة الطاهرة التي جاءت من السيدة خديجة(عليها السلام) وعبر ابنتها الطاهرة سيدة النساء الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) كوثر الرسالة وأم الأئمة الأطهار (عليها السلام) . كل ذلك جعل أم المؤمنين الصديقة الأولى خديجة الكبرى(عليها السلام) تنال تلك المكانة السامية بين نساء المسلمين, وهي التي تغذت العفة والطهارة والأخلاق الرفيعة ومبادئ الدين وأصوله على يد نبينا الأكرم (صلى الله عليه وآله), حتى أصبحت بفخر سيدة من سيدات نساء الدنيا و الآخرة, بذلت السيدة (عليها السلام) الغالي والنفيس لنصرة بعلها المصطفى (صلى الله عليه وآله) ودينه, فكانت نعم الصابرة الرضية المحتسبة المواسية له, المُغدِقة بحنانها والمشاركة إياه أحزانه والآمة في سنين نشر الدعوة الإسلامية.
حملت السيدة الجليلة النبي (صلى الله عليه وآله)على جفونها, وفرشت طريقه بنسج من محبك أهدابها فأعانته على النوائب من أجل إحقاق الحق ودحر الباطل, مُقيمة (عليها السلام) دعامة النصر المعنوي والمادي لرسول الله (صلى الله عليه وآله), فكان لا يخرج من منزله حتى يذكرها(صلى الله عليه وآله) بفخر فيحسن من ثنائه عليه, و يقول لبعض زوجاته: (والله ما أبدلني الله خيراً منها, أمنت بي إذ كفر الناس, وصدقتني إذ كذبني الناس, وواستني بمالها إذ حرمني الناس, ورزقني منها الله أولاداً إذ حرمني أولاد النساء) ، تحملت السيدة الأمينة أعباء الدعوة الإسلامية في سنين الحصار والتي عانى فيها المسلمون اشد المعاناة, واقفة بجانب النبي(صلى الله عليه وآله),منفقة كل ما تملك من اجل نصرة هذا الدين ومبادئه العليا،حتى جاء نصر الله والفتح ومزِّقت الصحيفة التي كانت رمزا لذلك الحصار المشؤوم, فبشرها النبي(صلى الله عليه وآله) ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب جزاءاً لها من الباري(عز وجل) وبشارة لها في الدنيا والآخرة, وقد نظمت العديد من القصائد في مدحها ومنها قول الشاعر:
بَيتُ خويـلــــد هو المُـكَّـــرم الماجِد المؤيَّدِ المُعَظَّــــمْ
لها مَنَ الجَنَّةِ بيت مِنْ قَصَبْ لا صَخَبُ فيهِ ولا نَصَــبْ
وهــذه صورة لفظ الخبــــــــرِ عَنِ النَّبِي المُصطفى المُطَهَّرِ
كرمها الله (عز وجل ) ونبيه بمزيد من الحفاوة والتكريم والتعظيم, فقال عنها (صلى الله عليه وآله): ( خير نساء العالمين مريم بنت عمران, وآسية بنت مزاحم, وخديجة بنت خويلد, وفاطمة بنت محمدٍ) ، لم يكن رحيلها ينسي أحفادها من الأئمة الأطهار(عليهم السلام) مناقبها وذكرها فكانت موضع فخرهم فتباهى بها الإمام الحسين (عليه السلام) في صعيد كربلاء أمام غطارسة الكوفيين قائلاً:(هل تعلمون أن جدتي خديجة أول نساء هذه الأمة إسلاماً) ,كما كان لها نصيبٌ عند ابنتها فاطمة(عليها السلام) في موضع المباهاة والفخر فقالت:(أنا ابنة خديجة الكبرى) ، وكان لكتب الزيارات نصيبا من ذكرها ففي زيارة أبي عبد الله (عليه السلام) ذكرت في قوله: (السلام عليك يا بن فاطمة الزهراء, السلام عليك يا بن خديجة الكبرى)، ونحن اليوم إذ نكتب عن هذه السيدة الجليلة نقر بان الأنامل تعجز عن كتابة سيرتها العطرة الفواحة, التي جعلتها تصبح بحق من خير نساء الدنيا.