معراج المتهجدين
خيّم الظلام وتلبدت السماء بأستار السواد لتحيط الأرض بغلاف منيع من كثرة ذنوب العباد, فلابد من إشراقة نور هادية لتبدد هذا الظلام وتعيد الأمل للمذنبين بقدوم ربيع الشهور, لينهلون من نفحاته الإيمانية ويجولون في ساحاته الخضراء ويعرجون في أبهى ليلة منه, وأطيبها وأفضلها شرفاً وقدراً إلى روض الجنان عند اتصال الأرض بالسماء .
ومن لا يرغب أن يكون في ضيافة الله تعالى ويبصر أنواره القدسية عندما تتضاءل المسافات وتفتح أبواب السماوات لتهبط ملائكة السماء أفواجاً معلنة تجديد عهد الولاء بالاتصال مع ولي الله وحجته على أرضه الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه) التي لولاه لساخت الأرض ومنعت السماء ولرفع القرآن.
فهنيئاً للصائمين والصائمات والقائمين والقائمات والمستغفرين والمستغفرات في الأسحار, حيث يتسابقون لإدراك هذه الليلة العظيمة والدخول في رياضها للتنسم من عبيرها والشرب من عذب معينها, حيث تمحى ذنوبهم وتتلاشى بعيداً إضافة إلى الجوائز العظيمة والمواهب الجزيلة التي أعدها الله سبحانه وتعالى للائذين بجواره في ليلة القدر, فعن النبي(صلى الله عليه وآله):(تفتح أبواب السماوات في ليلة القدر فما من عبد يصلي فيها إلا كتب الله تعالى له بكل سجدة شجرة في الجنة لو يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها, وبكل ركعة بيتاً في الجنة من در وياقوت وزبرجد ولؤلؤ, وبكل آية تاجاً من تيجان الجنة, وبكل تسبيحه طائراً من النجب, وبكل جلسة درجة من درجات الجنة, وبكل تشهد غرفة من غرفات الجنة, فإذا انفجر عمود الصبح أعطاه الله من الكواعب المؤلفات والجوار المهذبات والغلمان المخلدين والنجائب المطيرات والرياحين والمعطرات والأنهار الجاريات والنعم الراضيات والتحف والهدايا والخلع والكرامات وما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون) .
وبعد كل هذا العرض المغري في هذه الفرصة الثمينة, ما لنا سوى استغلال هذه الليلة وإدراكها وإن خفيت عنا بالتزود من وقودها المعنوي وشحناتها المضيئة التي تحيي قلوبنا وتنيرها بنور البصيرة من خلال الاجتهاد بالصلاة والدعاء وقراءة القرآن والاستغفار وكثرة السجود والتضرع والتهجد والمناجاة إلى الله عز وجل بكل ما أوتينا من قوة وحزم وعزم على ترك الذنوب واجتناب المعاصي وتغيير الذات نحو الأفضل لأن الله تعالى (لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) .