رجالٌ لن تنسى جلالهم الأجيال
ترصع واجهات مدننا وساحاتها العامة صورٌ لوجوه نضرة مستبشرة لرجالٍ أُترعت قلوبهم بالإيمان وحب الوطن، وما صورهم الكريمة التي عُلقت في الشوارع والأزقة إلا مصابيح تُنير الدروب الحالكة، ونقاط مضيئة تُنبه أصحاب العيون الناظرة بأن طريق الحرية عُبدَّ بدماءٍ زكية، فهي تلهب الأرواح حماساً وتثير عزم النفوس، وتعلمها كيف تثور بوجه البغي، وأيضاً تملي على أصحاب النظر درساً بليغاً مفاده: عندما يكبر المبدأ تتصاغر التضحية أمامه، وهي بعدُ تروي لنا قصصٌ تضج وتعج بالموعظة والتذكر بأن هناك أبطالاً نهضوا لمقاتلة الوحوش الآدمية المتمثلة بالعصابات الداعشية، وحرموهم من لذة انتصارهم-الموهوم- فما أكبر تلك النفوس الأبية التي سلكت سبيل ذات الشوكة؟ وما أعجب تلك البطولة الرائعة؟ التي أصبح فرضاً علينا وعلى الخلف إحياء ذكراها وتلمس آثارها.
فحقيقٌ بنا أن نفخر بشهدائنا فهم عنوان كرامتنا، ورمز عزتنا، وموضع فخرنا، ومحل اعتزازنا، ولكن مهلاً.. الأمر أكبر وأعمق من أن يقتصر على التذكر فقط أو إهداء الإطراء، بل إن هناك حقوقاً ماديةً ومعنويةً تقع على عواتقنا لذوي هؤلاء الكرماء الذين ضحوا بالنفس والنفيس من أجلنا، واستهانوا بكل عزيز حتى لا نرى مكروهاً في أنفسنا أو أحبتنا، فالواجب يحتم على الجميع خدمة عوائلهم وأيتامهم وتحسس آلامهم، والتخفيف من معاناتهم ما استطاعنا إلى ذلك سبيلاً.
وكلمة حق تقال إن الجهد الجهيد المبذول من قِبل شبكة الوكلاء المنتشرين في البلد والمرتبطين بالمرجعية الدينية العليا، ونخبة من رجال الدين الأفاضل، وعدد من الجمعيات والمؤسسات الخيرية، في تفقد ورعاية عوائل الشهداء -مادياً أو معنوياً- هي جهود مباركة وميمونة، ومن الأنصاف أيضاً أن نسجل موقف إدارات العتبات المقدسة التي خصصت صناديق للتبرع تدعم ذوي الشهداء، وبذلك لهم منا ألف ألف تحية وثناء بما ساهموا به في هذا المجال، ولكن تلك الجهود وحدها لا تكفي البتة، فهي مسؤولية عامة شاملة وعلى الجميع النهوض بها حتى يوفروا على أنفسهم تلك الوقفة المسؤولة يوم ينادي المنادي: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ).